مشروع قانون جديد للشيكات يكرس ثقافة الصلح ويخفف العقوبات الزجرية
بوجندار____عزالدين /المشاهد
متابعة: أبــــو الآء
في خطوة تشريعية تعكس توجهاً نحو تحديث المنظومة القانونية المؤطرة للمعاملات التجارية، وضمان توازن أفضل بين الردع والمرونة، قدمت الحكومة مشروع قانون رقم 71.24 القاضي بتغيير وتتميم مدونة التجارة، بهدف إعادة الثقة إلى وسائل الأداء، خاصة الشيك والكمبيالة، وإعادة صياغة العلاقة بين المتعاملين ضمن رؤية أكثر عدلاً وإنسانية.
ووفق المذكرة التقديمية للمشروع، فإن النص الجديد يأتي بمستجدات جوهرية غير مسبوقة، أبرزها توسيع آليات الصلح والمصالحة الجنائية لتشمل مختلف مراحل الدعوى، بما في ذلك مرحلة تنفيذ العقوبة. هذا الإجراء يتيح للمخالف تسوية وضعيته القانونية عبر الأداء أو التنازل عن الشكاية، مما يؤدي إلى وقف أو إسقاط المتابعة القضائية.
كما نص المشروع على إعفاء جنحي خاص في حال ارتكاب الفعل بين الأزواج أو الأصول والفروع من الدرجة الأولى، مراعاةً للروابط الأسرية والاجتماعية التي تستدعي المعالجة بالحكمة بدل الزجر.
ومن أبرز الإصلاحات العملية كذلك، إلزام النيابة العامة بإشعار الساحب بضرورة توفير المؤونة خلال أجل 30 يوماً قبل تحريك المتابعة، مع إمكانية تمديد المهلة باتفاق الطرفين. هذه الخطوة تكرس مبدأ “الإنذار قبل العقاب” وتفتح الباب أمام تسوية ودية تحمي الحقوق وتجنب المتابعات الجنحية.
أما في الجانب الزجري، فقد اعتمد المشروع مقاربة بديلة للعقوبات السالبة للحرية، من خلال إقرار إمكانية إخضاع الساحب لتدابير المراقبة القضائية مثل السوار الإلكتروني بدل الاعتقال، إلى جانب تخفيض العقوبة الحبسية لتتراوح بين سنة وسنتين فقط، مع التمييز بين الإهمال البسيط وحالات التزوير أو التزييف.
وبخصوص الكمبيالة، أدرج المشروع تعديلات تروم تعزيز الثقة في هذا الصك التجاري عبر تقنين الكمبيالة المسحوبة على مؤسسة بنكية كآلية أكثر موثوقية، وتوسيع مسؤوليات المؤسسات البنكية في تتبع العمليات منذ تسليم الدفاتر إلى حين استرجاعها، بما يضمن حماية أكبر للمستفيدين.
واعتمدت المذكرة التقديمية للمشروع على معطيات دقيقة صادرة عن بنك المغرب، كشفت عن استمرار التحديات المرتبطة بسوء استخدام الشيكات والكمبيالات.
فقد تم خلال سنة 2024 تسجيل 30.1 مليون عملية أداء بالشيك بقيمة تجاوزت 1319 مليار درهم، مقابل 5.7 ملايين عملية أداء بالكمبيالة بقيمة تناهز 5.75 مليار درهم. كما بلغ عدد الشيكات غير المؤداة نحو 972 ألف حالة، منها 55% بسبب انعدام أو نقص في الرصيد، إضافة إلى 700 ألف حالة كمبيالة مرتجعة للأسباب نفسها.
أما على المستوى القضائي، فقد تم تسجيل أكثر من 180 ألف شكاية بين سنتي 2022 ومنتصف 2025، نتج عنها 76 ألف متابعة قضائية، من بينها 58 ألف حالة اعتقال، ما يعكس حجم الضغط المسجل على النظامين القضائي والسجني بسبب هذه القضايا.
ويهدف مشروع القانون الجديد، وفق ما ورد في مذكرته التوضيحية، إلى تحقيق خمسة أهداف استراتيجية هي:
استعادة الثقة في الشيك كوسيلة أداء موثوقة من خلال تحديث الإطار القانوني المنظم له.
تعزيز الأمن المالي والقانوني لجذب الاستثمار الوطني والأجنبي.
الحد من الاعتماد على النقد وتوسيع دائرة الشفافية في المعاملات.
تخفيف الضغط على المحاكم عبر تشجيع الصلح والتسويات المالية.
تحقيق التناسب بين الجريمة والعقوبة في إطار مقاربة قانونية أكثر إنسانية وعدلاً.
بهذا المشروع، تضع الحكومة لبنة جديدة في مسار إصلاح العدالة الاقتصادية، من خلال إعادة تعريف مفهوم الزجر المالي، وتكريس منطق الصلح كأداة لتحقيق الاستقرار والثقة داخل المنظومة التجارية الوطنية.