جمعية الورشان لفن الملحون : صوت من أعماق الذاكرة
بوجندار_عزالدين / المشاهد
في وقت أصبحت فيه الثقافة في الهامش، وسط ضجيج الحياة وسرعة التغيير، تبرز جمعية الورشان لفن الملحون كأحد الأصوات المخلصة التي تدافع عن تراثنا الشعبي وتحرص على استمراريته. هي ليست مجرد جمعية، بل مشروع ثقافي حي، يقوم على حب هذا الفن العريق، وعلى الإيمان بأن الحفاظ على الذاكرة مسؤولية جماعية.
الجمعية بنت أسسًا قوية، ووضعت لنفسها برنامجًا طموحًا، وتتوفر على طاقات بشرية وشيوخ وكتاب كلمات لهم تجربة واسعة. وهي، بهذا الأساس، قادرة على العطاء ومواصلة الطريق بثبات، رغم كل العراقيل.
ومن بين محطاتها الجميلة، نظّمت الجمعية يومًا احتفاليًا مميزًا بإحدى الضيعات القريبة من المنطقة المعروفة بـ”البريزة”، التي تبعد عن مدينة مراكش بحوالي 26 كيلومترًا في اتجاه طريق أوريكا لصاحبها الأستاذ الجليل،عبد العزيز الباكهوي. وكان فن الملحون سيد الموقف، حيث تعالت الأصوات بالكلمات الموزونة، والزجل، والفكاهة، وكل ألوان الطرب الشعبي الأصيل، في أجواء من الفرح والتواصل، جمعت بين محبي هذا الفن من مختلف الأجيال.
ولذلك، فإن من يحاول التشويش على هذا العمل، أو يسعى إلى تشتيت الجهود، فهو لا يخطئ في حق الجمعية فقط، بل في حق مدينة مراكش وتاريخها الثقافي. لأن الملحون ليس مجرد كلمات مرتبة، بل هو تعبير عن هوية، ومرآة لمجتمع، وتاريخ يُحكى بشغف ويُنقل من جيل إلى جيل.
الذين يقودون هذه التجربة لا تحركهم المصالح ولا الأضواء، بل يجمعهم حب حقيقي لفن الملحون، وإيمان راسخ بأن العمل الجماعي الصادق قادر على الاستمرار، حتى في وجه أصعب الظروف. فالجمعية، بحب أعضائها وتفانيهم، أقوى من أي محاولة للتشويش، وأصلب من أي زلزال، مهما كانت شدته.
الملحون كان دائمًا فن الناس، ولسان حالهم، وذاكرتهم. وكما قال أحد شيوخ هذا الفن:
“الملحون ما يموت، مدام كاين اللي يحفظوه ويحكيوه، ويغنّيوه من القلب للقلب.”
لذلك، يبقى الأمل كبيرًا في أن يستمر هذا النبض الجميل، وأن تبقى جمعية الورشان صوتًا صادقًا من أعماق الذاكرة المغربية.

