حين يصبح الفساد أسلوب حياة، والمعقول في عطلة!

0 303

بوجندار____عزالدين /المشاهد

بقلم الأستاذ : أبو الاء

 

في كل مرة نحاول فيها فتح ملف المحسوبية والزبونية، نجد أنفسنا ندور في حلقة مفرغة. نفس القصص، نفس الوجوه، ونفس العبارات المكرورة التي باتت لازمة مغربية حزينة: “آش غنديرو؟ راه هادي بلاد المعارف”.

 

لكن الحقيقة المرة هي أن المحسوبية لم تعد سلوكًا فرديًا أو خطأً عرضيًا، بل أصبحت أسلوب حياة.

تذهب إلى الإدارة لتقضي غرضًا بسيطًا، فتجد أن من جاء بعدك يخرج قبلك، فقط لأنه “ولد العم” أو “قريب فلان”.

تزور المستشفى فتنتظر بالساعات، بينما آخر يدخل في دقائق لأن لديه “رقم شي حد على الهاتف” يكفي لفتح كل الأبواب المغلقة.

 

هذه ليست مجرد حكايات تُروى، بل واقعٌ يومي يعيشه المواطن المغربي، واقع مرّ يفرض نفسه على الجميع، حتى صار الناس يتعاملون معه كقدر لا مفر منه.

وللأسف، صار الإيمان بأن “المعقول ما كايعيش” قناعةً جماعية، وكأن الكفاءة وحدها لا تكفي إن لم يكن وراءها “ظهر” يسندها.

 

المحسوبية اليوم هي رأس الفساد، وهي الجذر الذي تتفرع منه كل أزماتنا الاجتماعية والاقتصادية.

هي التي جعلت شبابًا درسوا وتعبوا سنوات طويلة يهاجرون أو يعملون في مهن لا تليق بمستواهم، بينما يتسلق أصحاب “المعارف” المناصب بلا جهد ولا استحقاق.

هي التي أفقدت الثقة في المؤسسات، وأفرغت مفهوم العدالة من محتواه، وحولت الكفاءة إلى مجرد شعار يُرفع في المناسبات الرسمية.

 

لكن هل المشكل في الأشخاص فقط؟

قطعًا لا.

المشكلة أعمق، إنها منظومة مترسخة تقوم على منطق “دورني ندورك”، “سير عند فلان قولو عرفني بيك”، “دخلنا معاك فشي مصلحة ونعطيوك حقك”.

والمفارقة أن كلمة “حقك” هنا لم تعد تعني الحق الذي يضمنه القانون، بل الحق الذي تمنحه الواسطة!

 

الأخطر من الفساد ذاته، هو أن الناس ألفوا هذا الوضع حتى صار طبيعيًا.

وحين يتطبع المجتمع مع الفساد، يصبح الإصلاح مهمة شبه مستحيلة.

بل صار من يسعى إلى تطبيق القانون أو يحترم النظام يُنعت بأنه “مساكن ما عارفش كيفاش الدنيا دايرة”!

 

نعم، لدينا دستور جميل، ومؤسسات محترمة، وقوانين تنص على المساواة وتكافؤ الفرص…

لكن في الواقع، كثير من المواطنين يشعرون أن تلك القوانين مجرد حبر على ورق، وأن الطريق الوحيد للوصول إلى حقك هو المعرفة.

 

نحن نكتب لا لنُجامل، بل لنضع اليد على الجرح، لأن أول خطوة نحو العلاج هي الاعتراف بالمرض.

نحن بحاجة إلى وقفة صريحة مع الذات، إلى أن نقولها بلا خوف:

المحسوبية سرطانٌ ينخر جسد الوطن، من أصغر جماعة قروية إلى أعلى مؤسسة مركزية.

 

ولهذا نقولها بصوتٍ عالٍ:

كفى من التساهل مع اللامنطق، ومن الصمت عن الرداءة المقنّعة بالمجاملة.

من لا يملك الكفاءة فليتنحّ، ومن يعتمد على العلاقات بدل الاجتهاد فليعلم أن زمن الصمت انتهى، وأن المغاربة سئموا من سياسة “ولد فلان أولى من غيره”.

 

حتى لين نبقاو دايرين عين ميكة؟

إلى متى سنرضى أن يمرّ “ولد فلان” قبل “ولد الشعب”؟

البلاد لن تتقدم إلا عندما تصبح الفرص حقًا مشتركًا لكل المواطنين، لا امتيازًا يُمنح بالمحاباة والقرابة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.