قال نائب وكيل الملك بتمارة، يونس العياشي، لـ «الصباح» إن المشرع ألزم القاضي باحترام المبادئ والقواعد الواردة في المدونة دون تبيان جزاء الإخلال بها، مؤكدا، أن مدونة الأخلاقيات القضائية جاءت مكملة للقانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية.
وأضاف في حوار مع «الصباح» أن الأخلاق والقيم القضائية التي ينبغي أن يتحلى بها كل فاعل في مجال العدالة سواء كان ضابطا للشرطة أو محاميا أو قاضيا أو خبيرا أو مفوضا قضائيا أو موظفا بكتابة الضبط أو بكتابة النيابة العامة، من شأنها أن تكون مدخلا أو رافعة لمحاكمة منصفة.
في مايلي نص الحوار الذي أجرته الزميلة كريمة مصلي عن يومية الصباح
صدرت أخيرا عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية مدونة للأخلاقيات القضائية، هل يمكنكم تقريب القارئ من مفهوم الأخلاق القضائية كما وردت في هذه المدونة؟
قبل الإجابة عن سؤالكم أود في البداية إعطاءكم فكرة ولو مبسطة حول الأخلاق كمفهوم له أبعاد لغوية واصطلاحية وقانونية وفلسفية ودينية. سئل الخوارزمي عالم الرياضيات عن الإنسان فأجاب، إذا كان الإنسان ذا أخلاق فيساوي 1، وإذا كان ذا جمال فأضف إلى الواحد صفرا فيساوي 10، وإذا كان ذا مال، فأضف صفرا آخر ليساوي 100، وإذا كان ذا حسب ونسب، فأضف صفرا آخر ليساوي 1000، فإذا ذهب العدد واحد، وهو الأخلاق ذهبت قيمة الإنسان وبقيت الأصفار التي لا قيمة لها.
فعلا صدرت مؤخرا عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية مدونة للأخلاقيات القضائية، – أو ما يسميها البعض «القيم القضائية «، على اعتبار أن مصطلحي القيم والأخلاق متطابقين من حيث المعنى والدلالة اللغوية فيقال مثلا : «المجتمع يعيش اليوم أزمة قيم وأخلاق – « والتي هي في الواقع تنزيل لمقتضيات المادة 106 من القانون التنظيمي 13-100 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية التي نصت على «المجلس يضع بعد استشارة الجمعيات المهنية للقضاة، مدونة للأخلاقيات القضائية تتضمن القيم والمبادئ والقواعد التي يتعين على القضاة الالتزام بها أثناء ممارستهم لمهامهم ومسؤولياتهم القضائية، للحفاظ على استقلالية القضاة وتمكينهم من ممارسة مهامهم بكل نزاهة وتجرد ومسؤولية، وصيانة هيبة الهيأة القضائية التي ينتسبون إليها والتقيد بالأخلاقيات النبيلة للعمل القضائي والالتزام بحسن تطبيق قواعد سير العدالة، وحماية حقوق المتقاضين وسائر مرتفقي القضاء والسهر على حسن معاملتهم في إطار الاحترام التام للقانون، وتأمين استمرارية مرفق القضاء والعمل على ضمان حسن سيره.
كيف يمكن مراقبة التزام القضاة بمدونة الأخلاقيات القضائية؟
لقد أوجد مشرع مدونة الأخلاقيات القضائية بمقتضى الباب الثالث آليات التطبيق والمواكبة، والمتمثلة في لجنة الأخلاقيات ودعم استقلال القضاة المحدثة على التوالي طبقا للمادة 52 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية والمادة 18 من النظام الداخلي للمجلس، والتي تسمح بالسهر على تتبع ومراقبة التزام القضاة بهذه المدونة. علما أن المسؤولين القضائيين لدى مختلف الدوائر الاستئنافية لهم صفة مستشاري الأخلاقيات ونظمت مدونة الأخلاقيات مهامهم بمقتضى المادة 34 من المدونة، والتي من بينها مد يد العون والمساعدة وتقديم النصح للقضاة التابعين لدائرتهم الاستئنافية في حالة مواجهة أية صعوبات أو إشكاليات أو غموض في كيفية تطبيق وتفسير التزاماتهم الأخلاقية والسلوكية المنصوص عليها في هذه المدونة، وإبلاغ اللجنة عن الخروقات الأخلاقية التي تقع ضمن دائرتهم الاستئنافية لاتخاذ ما تراه مناسبا.
إذن هل هي فعلا ملزمة أم مجرد رفاه فكري لا غير؟
إن مدونة الأخلاقيات القضائية هي في اعتقادي جاءت مكملة للقانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، لأنها تستمد وجودها من مضمون المادة 106 منه، ولذلك فهي ورغم من أنها قواعد أخلاقية إلا أنها ملزمة للقضاة بمقتضى المادة 44 من النظام الأساسي لرجال القضاء التي جاء فيها « يلزم القاضي باحترام المبادئ والقواعد الواردة في مدونة الأخلاقيات القضائية، كما يحرص على احترام تقاليد القضاء وأعرافه والمحافظة عليها …».
إلا أن الملاحظ أن مشرع مدونة الأخلاقيات القضائية لئن ألزم القاضي باحترام المبادئ والقواعد الواردة في مدونة الأخلاقيات القضائية فهو لم يبين جزاء الإخلال بها، ذلك أن المادة 96 من النظام الأساسي لرجال القضاء تنص فقط على أن كل إخلال من القاضي بواجباته المهنية أو بالشرف أو بالوقار أو الكرامة خطأ من شأنه أن يكون محل عقوبة تأديبية ، لذلك كان حريا بالمشرع تعديل الفصل 96 من النظام الأساسي لرجال القضاء، وذلك بإضافة « الإخلال بالقواعد الواردة في مدونة الأخلاقيات القضائية « أساس للمتابعة التأديبية، بالنظر إلى أن دائرة الأخلاق هي أوسع من دائرة القانون تماما كما درسنا ونحن طلبة في المدخل لدراسة القانون .
ألم يكن الأجدر صياغة مدونة شاملة للقيم والأخلاق القضائية تضم كل المهن القانونية والقضائية المتدخلة في العملية القضائية من بدايتها إلى نهايتها تكون رافعة لضمان محاكمة عادلة؟
بالفعل سبق أن اطلعت على عدة مدونات للقيم منها مدونة القيم والأخلاق لدى رجال الأمن الوطني والدرك الملكي وأخرى لدى رجال الجمارك ….، وكلهم يعملون في مجال الضبط القضائي. كما أن النصوص الخاصة ببعض المهن القانونية والقضائية كمهنة المحاماة ومهنة المفوضين القضائيين والخبراء القضائيين، تتضمن مقتضيات خاصة بالأخلاقيات والتي ينبغي أن ينضبط لها كل ممارس، ولذلك فليس هناك في اعتقادي ما يمنع من تجميع تلك المقتضيات الأخلاقية في مدونة واحدة تسمى مثلا « مدونة القيم القضائية من أجل محاكمة منصفة « فالأخلاق والقيم القضائية التي ينبغي أن يتحلى بها كل فاعل في مجال العدالة سواء كان ضابطا للشرطة أو محاميا أو قاضيا أو خبيرا أو مفوضا قضائيا أو موظفا بكتابة الضبط أو بكتابة النيابة العامة … من شأنها أن تكون مدخلا أو رافعة لمحاكمة منصفة –وليس مجرد محاكمة عادلة -، على اعتبار أن الإنصاف وكما قال الفقيه أرسطو هو عدالة مثلى تصوب عدم عدالة القانون إذا أفضى عند تطبيقه لنتائج جائرة، علما أن المحاكمة العادلة بصفة عامة في عمقها هي محاكمة للأخلاق والقيم والمبادئ والأعراف والتقاليد –التي يجب أن يتحلى بها كل متدخل في العملية القضائية مند بدايتها إلى نهايتها – قبل أن تكون محاكمة بين الخصوم سواء في الدعوى المدنية أو الجزائية، ويلعب فيها المسؤول القضائي دورا محوريا بتوزيع المهام وبكل موضوعية ومسؤولية بين القضاة داخل المحكمة الواحدة.
التوجهــات الملكيـــة
مشروع مدونة الأخلاقيات القضائية استلهم القيم التسع والواردة على سبيل المثال لا الحصر – حسب ما جاء في الديباجة – من التوجيهات الملكية السامية، سيما خطاب العرش لسنة 2013 -الذي ركز خلاله الملك محمد السادس على تخليق القضاء وعصرنته وترسيخ استقلاله، معتبرا جلالته أن الضمير المسؤول هو المحدد الحقيقي لإصلاح القضاء –ومن دستور المملكة لسنة 2011 ومن النظامين المتعلقين بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية وبالنظام الأساسي للقضاة ومن الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بالموضوع، ومن مبادئ بنغالور للسلوك القضائي، وأخيرا بعض السوابق التي صدرت بشأنها قرارات تأديبية -في حق قضاة ممارسين – عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي حل محل المجلس الأعلى للقضاء . ونحن من جهتنا قضاة فرادى وجمعيات مهنية قضائية، لا يمكن إلا أن نثمن هذا المجهود الذي بذله المجلس الأعلى للسلطة القضائية بشراكة مع الجمعيات القضائية المهنية، وذلك في سبيل استكمال آليات اشتغاله.